الثلاثاء، 1 يوليو 2008

مشملة



جلست بجانبى بهيئتها الملائكية.
وفي الحقيقة لم يجذبنى إليها مظهرها....بل جذبنى شيئا أخر.
جذبنى إليها ما كانت تأكله.
فلقد كانت فاكهة مستديرة تشبه البلح الأصفر.
رأيتها تقضم بفمها الصغير جزئها الأعلى وتلقى به في يدها المتسخة...ثم تفرغ بذرتها المستديرة بأسنانها وتلقى بها فى كيس صغير كانت به أخر حبات هذه الثمار.
شعرت بأننى أعرفها
وشعرت برغبة فى تجاذب أطراف الحديث معها
وما شجعنى لذلك هو أنها كانت قد لاحظت نظراتى الخفية إليها
فلقد كانت تجلس بجانبى على رصيف محطة مترو دار السلام فى إنتظار القطار.
سألتها بأبتسامة خفيفة "بتاكلي أيه؟!"
فأجابت فى خجل ووجه ثابت الملامح
"مشملة"
لم أسمعها جيدا...أو ربما سمعتها ولكنها عادتى ان أتاكد مما قيل ...فقلت لها "أيه؟!"
فأجابت بنفس الملامح الثابتة ونفس نبرة الصوت الباهتة "مشملة"
أردت ان استمر فى حديثى معها...أو ربما أردت أن أبرر سؤالى لها؟
فتساءلت فى بلاهة "هى ذى النبأ كده ؟!"
فأومئت لى وهزت كتفيها بأنها لا تعرف عما أتحدث.
"طب بتجبيه منين ده؟"
"من عند بتاع الدوم والحرنكش والخرشوف اللى جنب الكوبري" أجابتني بكل براءة وكانها زبونة دائمة عند بائعة الحرنكش والدوم والخرشوف وحب العزيز

ظهرت إليها وكأننى أطمع فى تذوق ما معها...فأخرجت واحدة من الكيس الفارغ ومدت يدها بها إلى
فتعجبت قائلة فى خجل "شكرا يا حبيبتى"
فألحت علي بشدة لأتذوقها
ولكننى لم أشأ ان اخذ منها اخر حبات المشملة... خاصة وأننى لمحت بكفها المتسخ عشرة قروش جعلونى أشعر بالأسى لحالها
فلقد مر زمنا طويلا لم أتذكر أننى رأيت فيهما هذه العملات المعدنية عديمة القيمة
فتسائلت بداخلى عما إذا كان هناك من تمثل له هذه العملات قيمة الأن

سألتها "انتى فى سنة كام؟"
فأجابت فى إستسلام "سنة رابعة"
فلاحقتها بسؤالى البديهى وخاصة أننا كنا في ميعاد خروج المدارس وهى لم تكن بذى المدرسة
"طيب مرحتيش ليه النهاردة؟!"
أجابتنى فى براءة متناهية النظير وسليقة وفطرة كاد قلبى ينفطر لها
"لا...أنا ببيع"
شعرت بعصرة قلبى
لم اشأ أن أغوص فى أسباب عملها وظروفها...فقد أجعلها تخجل أو تتحدث فيما لا تريد
فسألتها عما تبيع...فأخبرتني بأنها تبيع الأذكار...فأعطيتها ما فيه النصيب ونظرت إليها وهى تلحق بأبواب المترو التى قاربت على الإنغلاق
أخرجت من حقيبة ملفوفة حول خصرها بعض الأذكار...وأبتدأت رحلة الشقاء فى سكون وأدب وخجل وكأنها بنت عز ولكن أضطرتها الظروف.

ليتني أملك مال الدنيا لأخفف عن هؤلاء
ليتني