الجمعة، 11 يناير 2008

مازلت أعزب


لم اكن أعرف أنه محسن صديقى فى مدرسة عباس حلمى الإعدادية
فلقد تغير تماما وأصبح الان مدير المصلحة
يا له من مشهد لن أنساه عند دخولى مكتبه الواسع
فلقد رأيته منفوخا على كرسيه الطرى وكأنه طاووسا مغرور
كانت هيئتة قد تغيرت تماما
فمحسن النحيف الهزيل قد أصبح الان كالبالون المنفوخ
وبعد أن كان يرتدى بنطلونا قصيرا مزين بعشرات الرقع من العديد من قصاقيص القماش البالية... أصبح الان مهندما يرتدى هذه البدلة التى تساوى عشرات الجنيهات ورابطة العنق هذه التى لم أرى حتى ناظر مدرستنا الثرى يرتدى مثلها يوما
كنت قد أقتحمت مكتبه ناويا العراك بسبب مصالحى التى أخذت تدور فى كل مكاتب المصلحة بلا جدوى
ولكننى لا اعرف لماذا وقفت ساكنا عندما واجهت عينى عينه اللامعة ووجدت شريط الذكريات يمر أمام عينى فى لحظات وصرخت قائلا وأنا اقفز فوق مكتبه وأخذه بين ذراعى النحيفان " محسن صديقى!"
وكنت متأكد انه محسن وبالاخص بعد ان قرات أسمه المطعم بالعاج على هذه اللوحة الذهبية فوق مكتبه اللامع.
شعرت به يشرد قليلا وهو بين أحضانى ثم شعرت بحرارة تتسرب من صدره وكأن قلبه أخذ ينبض بشدة ثم ضمنى بين يديه السمينتان حتى كدت ان اختنق
وقال لى فى صوت راقص "حناطة!"
ومع أننى كنت أكره هذا الاسم إلا اننى كنت سعيد لان محسن لم ينساه ولم ينسانى معه
تصافحنا بحرارة ولا اعلم لماذا نسيت مشكلتى تماما وظللت أنا ومحسن نتذكر أيام الطفولة
ولم أسأله كيف أصبح بهذا الشكل الجديد ولم يسألنى عن حالى هذا الذى لم يتغير منذ ان كنا اطفال
أنتهى حديثنا الطويل بعد أن تعطلت معه العديد من أشغال المصلحة ولكن لقائنا لم ينتهى نهاية عادية
بل انتهى بعزومة أستنتجت أصناهفها من هيئة كرشة المترهل
بعد ان عدت إلى بيتى أخذت أنقب فى ملابسى البالية فى هذا الدولاب المتأكل عن بدلة تليق مع أخى وحبيبى مدير المصلحة
حتى وجدتها
نعم وجدتها
فقد كانت هى البدلة الاولى والاخيرة التى اشتريتها فى حياتى منذ قدومى إلى القاهرة لأننى منذ عملت فى صحيفة الندامة وانا لم ارتديها بسبب طبيعة عملى الشاق فى المطبعة
فى اليوم التالى ذهبت إلى محسن فى المصلحة
عندما رأنى أخذنى بين يديه وكأنه يرانى لاول مرة ثم سحبنى من ذراعى لأتبعة إلى سيارته وهو يردد " يلا يا حناطة المدام مستنيانا من ساعتين"
كنت متشوقا وبشدة لرؤية زوجته وقد راودنى تساؤل حينها والذى كان قد تأخر قليلا
كيف أصبح محسن بهذا الغنى وبهذة المكانة
وكاد لسانى أن ينطق به ولكننى وجدت أنه ليس بالوقت المناسب
فأنا فى طريقى لعزومة العمر والامر لا يحتمل خطئا واحدا قد يفوت على مثل هذه الفرصة.

أسرعنا إلى سيارة محسن وركبت أنا بجانبه
كنت كالطفل الصغير الذى يركب لأول مرة سيارة.
كدت اخرج بجسدى من الشباك ليرانى المارة فى الطريق ويعلمون باننى أنا اركب بجانب محسن حبيبى فى سيارته الفخمة
شعرت حينها بأننى تافه ولكن سعادتى كانت أقوى منى
شعرت ان الدنيا قد فتحت لى ابوابها وشعرت بان محسن صديقى هو السلم الذى سأتسلقة لاصل إلى الكنز المرصود
فجأة قاطع محسن خيالاتى قائلا
" بص يا حناطة لو كنت عايز الدنيا تضحلك وتسيبك من حياتك البؤس دي اسمعنى كويس"
فلاحقته بسؤالى بعد أن تأكدت أنه لابد وان لاحظ ما كنت افكر فيه
" قولى يا محسن وانا اعمل الى انت عوزة"
فقال لى فى هدوء
" لو رضيت عنك المدام يبقه الدنيا ضحكتلك وفتحتلك دراعتها"
تعجبت قليلا مما قال ولكننى قررت ان اظهر بمظهر الرجل اللبق الذكى الذى يقدر النساء
وقفت السيارة أمام فيلا فى غاية الجمال حينها كرهت حياتى التى اعيشها فالإنسان لا يكره الملح إلا عندما يذوق السكر وقررت حينها أن البد فى النعيم ولا افارقه
كانت فى استقبالنا حماه محسن ... أمسكت يدها وقبلتها قائلا لمحسن
" ياه يا محسن احسنت الاختيار اكيد مراتك جميلة ذى حماتك"
لا اعلم
شعرت بيداها التا مازالتا بين يدى تسخنان ثم لم تلبث ان اقتلعتهما من بين يدى وقالت فى صوت متقطع وكلمات متساقطة الحروف
" اخرج برة يا حيوان ،هما دول يا محشن شحابك الاوباش"
فنظرت لمحسن فى ذهول وكأننى أطلب منه حقى
ولكنه كان صامتا مذهولا لم ترتفع عيناه من الارض وكانه طفلا تنهره امه
فأنسحبت فى هدوء وانا لا اعلم ما الخطأ الذى اقترفته فانا حتى لم انطق بشىء

فوجئت بهذا البرواز على الحائط الرخام
فلقد كانت صورة محسن يوم الزفاف
وقتها عرفت خطيئتي
فألتفت إليهم قائلا
"ملعون أبو الفلوس الي تعمل فى الناس كدة"
وانطلقت إلى الشارع وأنا فى قمة سعادت
ليس لان الكنز المرصود قد ضاع
ولكن لانى
مازلت اعز
ب.