السبت، 1 مارس 2008

فاتنى ورحل بلا حياه



ها هو ذا الغبار الرمادى

ينفث من بين رفات الشباك الخشبي المتهالك

فيخرج فى الخلاء مختلطا مع الغبار المتطاير بين جنبات الطريق الزراعي

وكأنه اليوم المشهود

اليوم الذى ينتفض به كل ما أحتواه بيت عم عبد المعطى.

هذا الرجل الذى عششت السعادة في قلبه

فنضحت علي وجهه الأسمر المجعد فأضائته وأشعلت به رغبة البقاء.

منذ ان كنت صغيرا وأنا أرى عم عبد المعطى بهذا الشكل

وقد علمت من كبار السن أن عم عبد المعطى لم يتغير شكله منذ الصغر

ولم تزد او تنقص يوما تجعيده علي وجهه

وكانه منذ تشكل فى رحم امه وهو مرسوم الهيئة بتلك الملامح العرجاء

أو وكأن الفقر والشقاء قد عبثا بوجهه فى إحدى خلسات الدعابة.

رجل محب للحياه.....بشوش.....لا يقنط يوما من رحمة الله...لحوح الدعاء

فلم اراه يصلى يوما في الزاوية المجاورة إلا ورأيته ينظر إلى السماء وهو يتمتم بأشياء لم أسمع منها سوى حرف السين والباء.

أحببت الدنيا لانه فيها

لانني اراه جالسا علي بوابة هذا البيت الطينى الذائب كعادته يتحسس خيوط الشمس الدافئة بعينيه التى لا تكاد تنغلق حتي تنعشها نسمات الشتاء الباردة فتذيب احساسه بالبرودة بأحساسا اخر بالرضا والسكينة

سمفونية دافئة طالما شعرت بها بتأملى لتلك الخطوط المحكمة علي وجهه البرىء.

صورة ولطالما ارتسمت في مخيلتي

بيته الطينى المعرش بالقش والبوص

رائحة الفرن التى انطلقت منها رائحة الخبيز

تلك الرائحة التى طالما التصقت في انفي

نعم انها رائحة البهائم في الأرض الزراعية

نهيق الحمير الذى طالما دوى في اذني وكانه ارقى سمفونية تعزف لي انا وحدي

طيور بيضاء تحلق فوق ارض البطاطس المثمرة

مجري مائى ضيق انشقت به الارض الطينية المجاورة

بعض اوراق السريس والنعناع والملوخية والورد الابيض التي انفلتت من بين قبضة تلك الارض الطينية العفية دون تدخل من بني البشر لتعلن تمردها علي الاختباء تحت التراب

لطالما تمنيت ان ابقى دوما فى لحظتي تلك

اظل راقدا بجسدى أسفل تلك الصفصافة دون حراك

القى بحبات الحصا فى الترعة المجاورة غير مبالى بما تشكله من حلقات دائرية لها صوتا كامواج عتية.

شعرت بالبرد الشديد

ماتت الورود البيضاء...جفت المياه...تداعت الطيور....تيبست الحياه...تجمدت عروق الشمس فى كبد السماء....ماتت فرحتي ....لم يصبح للحياه معني

تغير كل ما حولى...تبدلت الحياه

أكنت اراها بعين غيري؟

نعم كنت اراها بعين غيري.

ورحل غيري دون ان يعلمني كيف ارى الحياه بلون اخر...تركنى ورحل دون ان يعلمني كيف اختلق الجمال بعيني انا.

توقفت الحياه عندى....عندما توقفت دقات الرضا بقلبه الصغير.